ابن باجه فيلسوف سرقسطة وفاس من خلال سيرته ومؤلفاته
ملخص:
غرض هذا القول, هو تسليط الضوء على شخصية فلسفية أندلسية عرفها الأندلس في القرن الخامس الهجري, وهي للفيلسوف الشاعر والوزير أبوبكر ابن إبن باجه, الذي بدأت معه الفلسفة المشائية وبقي وفيا للقول البرهاني منتقدا للصوفية وطرقهم في الاتصال و الوصول للسعادة, وهو بذلك مهد الطريق لابن طفيل وابن رشد الذي استفاد كثيرا من تواليفه في شروحه على أرسطو, غير أن الشهرت كانت من نصيب ابن رشد الذي اتجه أغلب الباحثين و الدارسين الى العناية بفلسفته, في حين بقي تراث ابن باجه مهملا, إلا من بعض الدراسات القليلة لعناصر من فلسفته, أو تحقيقات لأقوال و تواليف إحتفظت بها فهارس بعض الخزانات العالمية, وقد عاش الرجل حياة علمية متقلبة, تشهد بها سيرته التي هو عليها مشهورة, حيث لقي محن وبلي بالإعتقال مرتين, واتهمه العامة والخاصة, وسعوا في قتله وهو ما تحقق بمدينة فاس, حيث توفي مسموما, وهو ما لم يترك له الوقت لأتمام مشروعه الفلسفي الذي وعد به في بعض رسائله, ويندرج الكتاب الذي نحن بصدد مراجعته في إطار البحث البيبليوغرافي الذي يسعى إلى تقديم صورة واضحت عن فيلسوف سرقسطة وفاس, و المساهمة في التعريف بسيرته ومؤلفاته, وطرح الإشكالات التي تعترض الباحث في فلسفته, من خلال ترتب تواليفه ترتيبا جديدا, وتوفير المادة العلمية لكل باحث في فلسفة الرجل.
تقديم: صدر كتاب "ابن باجه سيرة وبيبليوغرافية" عن مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث (سلسلة كتاب مجلة مرآة التراث 6) التابع للرابطة المحمدية للعلماء، سنة 2017، للباحث المغربي جمال راشق (أستاذ الفلسفة العربية الإسلامية بجامعة القاضي عياض مراكش).
ويتميز الكتاب بتقديم للأمين العام للرابطة ، وتصدير لمدير الخزانة الملكية بالرباط ، وكذا تقديم بالإسبانية للباحث المختص في الدراسات الباجية جوزيف بوتش مُنتادا) ولد في1946م ( من جامعة كومبليتونس بمدريد. يتكون الكتاب من سبعة أقسام وزعها المؤلِف كالتالي : القسم الأولُ، عرضٌ وافيِ لسيرة ابن باجه (460ه/533هـ)، استقصى فيها جميع كتب التراجم والطبقات التي تعرضت لحياة الفيلسوف، أما القسم الثاني فقد خُصص لوصف المخطوطات التي تضم تواليف الرجل وصفا دقيقا، والقسم الثالث احتوي على تحقيق نصين هامين عبارة عن تصدير ابن الامام لمجموع أقاويل ابن باجه في نسخة أكسفورد وكذا تصدير المجموع في نسخة برلين، أما القسم الرابع فقد جعله المؤلف عبارة عن جداول تتبع فيها نصوص ابن باجه، الموجودة اليوم بين أيدي الباحثين، في النسخ المخطوطة ثم تحقيقاتها وترجماتها، والقسم الخامس كان عبارة إبرازٍ للحضور الباجي في التراث العبري واللاتيني، ثم القسم السادس فيحتوي على محاولة جمال راشق في الترتيب الكرونولوجي لمؤلفات ابن باجه مع الإشارة إلى المحاولات التي سبقته، وأخيرا ببليوغرافيا غنية ووافية جمع فيها المؤلف أغلب ما أنجز عن ابن باجه، تحقيقات كانت أودراسات أو ترجمات أو مساهمات في ندوات أو أيام دراسية نشرت أو قيد النشر بلغات مختلفة.
يندرج عمل الباحث جمال راشق في إطار البحث البيوببليوغرافي أو السيرة الببليوغرافيا، وهي دراسة تشمل التنقيب في حياة المترجمِ لهُ، رصد تواليفه، وتتبع تطوره الفكري من خلال محاولة ضبط التسلسل الزمني للتواليف ومراحل الحياة. ولا يخفى على الباحثين والعارفين أهمية هذا النوع من العمل العلمي في تقصي الحقائق وتدقيق النظريات وأفكار المترجم له، ولما كانت شخصية ابن باجه، لم تستوف حقها من هذا النوع من الدراسة، فإن أي محاولة لوضع سيرة ببليوغرافيا عنه ستعترضها حتما صعوبات لقلة المعطيات حول حياته وشيوخه، وتلامذته، و كذا ندرة المادة في كتب الطبقات والتراجم. ومن ثمة أهمية هذا الكتاب، محاولة من صاحبه لملأ هذا الخصاص، إذ يأتي صدور كتاب جمال راشق بعد خمسة وثلاثين سنة على إصدار كتاب مؤلفات ابن باجه للعلامة المرحوم جمال الدين العلوي (1992/1945م)، والذي لا زال يحتفظ براهنيته في حقل الدراسات الباجية، غير أن عمل جمال راشق يحتوي على إضافات وعلى جديد يبرر إصدار مؤلف يتناول نفس الموضوع، بالنظر إلى ظهور مخطوطات وصدور تحقيقات ونشرات جديدة تتناول نصوص و فلسفة ابن باجه، فما هو الجديد الذي جاء به هذا الكتاب؟
حول أهمية الكتاب:
يعتبر الكتاب إضافة نوعية في حقل الدراسات الأندلسية وتاريخ الفلسفة في الغرب الإسلامي عامة، وفي فلسفة ابن باجه خاصة . لأن الباحث جمال راشق عمل على جمع وتصنيف وتوثيق أغلب نصوص الفيلسوف من رسائل وتواليف، موجودة في مخطوطات منها ما حقق والبعض لا زال ينتظر، وهو بذلك وفر للباحثين والدارسين في فلسفة ابن باجه مرجعا علميا دقيقا بمثابة مدخل للبحث في فلسفته، وتتجلى هذه الأهمية فيما يلي :
• ترجمة لسيرة ابن باجه من أوفى ما كتب عن الرجل.
• تتبع لآثار الرجل في جميع الخزانات العالمية وتفحص مجمل النسخ إما بشكل مباشر أو عن طريق ميكروفيلمات.
• الإشارة إلى الترجمات العبرية واللاتينية لبعض تواليف الرجل.
• تحقيق لأول مرة لتصدير ابن الإمام لمجموع تواليف ابن باجه عن مخطوطة برلين.
• ترتيب رسالة الغاية الإنسانية بين رسالة الوداع ورسالة الاتصال.
• اعتبر أن كتاباته المنطقية ورسائله الطبية وإن رتبت في بداية المتن الفلسفي الباجي، إلا أنه لا يمكن حصرها في زمن معين من حياة الرجل، بل هي من صميم ممارساته اليومية، اشتغالا وتدريسا.
• اعتبر أن "القول في القوة الناطقة" يشكل الفصل الأخير من كتاب النفس، ولا يمكن اعتباره نص مستقل عن كتاب النفس وإن تأخر في كتابته.
• تتبعه للإحالات الداخلية التي تثبت أن تدبير المتوحد سابق على رسالة الوداع.
• إضافته للأقوال المشكوك في نسبتها لابن باجه ، باعتبارها مراسلات بينه وبين تلميذه ابن الإمام، على خلاف العلوي الذي أسقطها من ترتيبه بالمرة ولومبا فوينتس الذي ضمنها ترتيبه لمؤلفات الرجل.
• اهتمامه بالإبداع الفني لابن باجه وتجميعه لجميع انتاجه الشعري والموسيقي المعروف.