أنامل صمت
الكاتب : سعيدة بن مسعود
تدعو الشاعرة سعيدة بن مسعود قارئ شعرها إلى أن يتطهّر في حضرة الصّمت من خلال هذه المجموعة الشعرية التي وسمتها ب” أنامل صمت “. فقد كانت وهي تضيف الصمت إلى الأنامل وكأنها توقظ دبيب الحركة من العدم والحياة من الموت وتقرع النواقيس في متاهة السكون.
إنها ببساطة تصنع صخب الصمت ليدوّي داخل نصها ويوقظ النيام في دعوة صريحة إلى عشق الحياة والعبّ من العشق والاحتفال بالألوان لرسم صورة جميلة للوجود يزدهي فيها قوس قزح : ” اِعشق الحياة ودع أنامل الصمت تبدع في رسم لوحة النجاح …اِعشق الحياة وبادلها عشقا بعشق … وأكتب أنت نبض الحروف على صفحات حياتك وبكل الألوان “.
يحضر الصمت في هذه المجموعة الشعرية منذ البدايات، ففي الإهداء الذي اختارت الشاعرة أن يكون من نصيب الأب الساكن في صمت الصورة كناية عن الموت الذي غيّبه حسّيا، لكنه يظل حاضرا في صمته الأبدي وهو يتأمّل العالم من وراء عيون العدم فتحضر ذكراه في صمت صاخب يذّكر بأبٍ حاضرٍ في غيابه لا يموت أبدا : ” إلى أبي رحمه الله و أنا أعتلي موج ذكرى صمت صورة. أفتخر بك والدي”.
إن الصمت في هذه المجموعة تحوّل إلى أيقونة حاضرة في كل قصائدها الشعرية ماثلا حينا في لغة العيون التي تبوح بما يقال وما لا يقال فيتحوّل الكلام من خلالها إلى إشارات ورموز تخاطب الوجدان والمشاعر فتبوح بما لا يقدر عليه اللسان الفصيح حتى يتحوّل الصمت الساكن في هذه العيون إلى كينونة هي صنو المبدعة التي تتبادل معه الأدوار وتتقمّصه ويتقمّصها ليصيرا كائنا واحدا :
وللصمت فنون …
الصمت فن و فنون …
ترقص على أنغامه لغة العيون …
يغازله حرف …
فتعزف الكلمة على وتر الوجدان…
ترانيم سيدة الحرف…
ليصير الصمت أنا…وأنا الصمت …
هذا الصمت الملهم الذي أخرس اللسان ولكنّه صدح بالبيان وهو يستلهم جميل الكلام وأبلغه ليوصل لغة العامّة التي جهرت الشاعرة ببعض معاناتها وتبنّت طموحها في الحياة الكريمة من خلال الحكم والأحاديث النبوية التي بثّتها داخل قصائد هذه المجموعة تارة، ومن خلال بلاغة الصورة الشعرية تارة أخرى حتى صار الصمت شروقا للكلام وتبديدا لغربة الإنسان عن واقعه اليومي الأليم وهو يبشّر بحرية تاقت لها الأرواح :
أبْحَر وشاح صمت
انتشرت الأمواج
طربا
تعزف ترنيمة حرية .
أما عن العنوان الذي اختارته الشاعرة لهذه المجموعة وهو عتبة مهمة من العتبات التي يلج منها القارئ متن النص بصفته المدخل الرئيسي للعوالم الشعرية للمبدعة فقد وسمته ب ” أنامل صمت ” كما سبق وبيّنّا ذلك في البداية وشرحنا بلاغة الربط بين المضاف والمضاف إليه ولكن إطلالة صغيرة أخرى على المتن الشعري تجعلنا نثمّن هذا الاختيار الذي تواتر في عدد معتبر من قصائد المجموعة ( سبعة نصوص بما للرقم سبعة من دلالات رمزية في المخيلة الجمعية العربية وفي التراث الإنساني ) كأنّ الشاعرة كلما ظنت أنها انتهت من تبليغ رسالة صمت هذه الأنامل إلا وعادت إليها من جديد محمّلة مرة بغصن زيتون وسنبلة قمح أو حاضنة قلب انكسار أو عازفة على أوتار الكلمات أو راقصة على إيقاع الأحلام مرات.
ولعل هذا النص البليغ من جملة النصوص السبعة التي حملت عنوان المجموعة يلخص المعاني البليغة الواردة فيها ويوجز مدلولاتها في صورة مكثفة تغني عن كل تعليق:
أنامل صمت …
تحضن قلب الانكسار في صمت
ترمي شظايا الحزن بعيدا …..
في سماء الصمت ….
بصمت ….
مناجية إله الكون في صمت