البهجة المراكشية: سر المدينة وروح أهلها

تشتهر مراكش بكونها مدينة البهجة، وهو وصف لم يأتِ من فراغ، بل هو جزء متجذر في هويتها وسلوك سكانها. فمنذ تأسيسها، تميزت هذه المدينة بجاذبية خاصة جعلتها ملاذًا للفرح والانشراح، حتى بات كل مراكشي يغترب عنها يُلقب بـ”البهجة” وكأن المدينة تسكنه أينما حل.

مراكش عبر أعين المؤرخين

وصفها الأديب الحسن بن اليماني بأنها “مدينة الخير والسرور، حيث الأرزاق متيسرة والأسعار رخيصة، وحدائقها الغنّاء تضفي على أهلها طابعًا خاصًا من البهجة والانشراح”. أما ابن المؤقت فقد أكد أن “مراكش تملأ القادمين إليها بالفرح، فلا يكاد زائرها يغادرها إلا وفي نفسه حنين إليها”.

سر البهجة: بين المناخ والتاريخ

تعددت التفسيرات حول هذا الطابع المميز للمراكشيين:

• هناك من يعيده إلى موقع المدينة، حيث يقال إن يوسف بن تاشفين وضع حجرها الأول وفق حسابات فلكية تربطها ببرج العقرب، برج الغبطة والسرور.
• آخرون يرون أن المناخ الحار يلعب دورًا في تنشيط الأرواح ونشر الفرح.
• فيما يعتقد البعض أن طبيعة الحياة الاجتماعية، من حدائقها وعراصيها إلى تقاليد النزاهة والاحتفال، شكلت هذا المزاج البهيج.

الحياة في مراكش: فن البهجة

لم يكن الفرح لدى المراكشيين مجرد شعور عابر، بل أسلوب حياة. فحتى في فترات القحط والأزمات، وجدوا في الضحك والاحتفال وسيلة لتجاوز المحن. لعبت “العراصي” والحدائق دورًا مهمًا في حياتهم، حيث كانت فضاءات للنزهات واللقاءات الأدبية والمناسبات الاجتماعية. في هذه الأجواء، نشأ أدب النكتة، وغناء الكف، وتحضير الطنجية المراكشية، التي أصبحت جزءًا من تراثهم المميز.

البهجة كفلسفة حياة

ربما كان المراكشيون، دون وعي، يعيشون وفق مفهوم الفيلسوف ميشيل فوكو بأن “الحياة نفسها يجب أن تكون عملًا فنيًا”. فقد أتقنوا فن العيش والاستمتاع، مقتنعين بأنهم جديرون بالسعادة، وأن مهمتهم هي جعل حياتهم لوحة من البهجة.

مراكش ليست مجرد مدينة، إنها أسلوب حياة يكرّس البهجة كقيمة إنسانية أصيلة، ويتحدى الزمن بالحفاظ على روحه المشرقة رغم كل التحولات.